مِنْ عَبْدِ اللّهِ عَلیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَى أَصْحَابِ الْخَرَاجِ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ یَحْذَرْ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَیْهِ، لَمْ یُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ مَا یُحْرِزُهَا. وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا کُلِّفْتُمْ بِهِ یَسِیرٌ، وَ أَنَّ ثَوَابَهُ کَثِیرٌ.
وَ لَوْ لَمْ یَکُنْ فِیَما نَهَى اللّهُ عَنْهُ مِنَ الْبَغْیِ وَالْعُدْوَانِ عِقَابٌ یُخَافُ، لَکَانَ فِی ثَوَابِ اجْتِنَابِهِ مَا لا عُذْرَ فِی تَرْکِ طَلَبِهِ.
فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِکُمْ، وَاصْبِرُوا لِحَوائِجِهِمْ، فَإِنَّکُمْ خُزَّانُ الرَّعِیَّةِ، وَ وُکَلَاءُ الْاُمَّةِ، وَ سُفَرَاءُ الْاَئِمَّةِ. وَ لا تُحشِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ، وَ لا تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ، وَ لا تَبِیْعُنَّ لِلنَّاسِ فِی الْخَرَاجِ کِسْوَةَ شِتَاءٍ وَ لا صَیْفٍ، وَ لا دَابَّةً یَعْتَمِلُونَ عَلَیْهِا، وَ لا عَبْداً، وَ لا تَضْرِبُنَّ أَحَداً سَوْطاً لِمَکَانِ دِرْهَمٍ، وَ لا تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، مُصَلٍّ وَ لا مُعَاهِدٍ؛
إِلَّا أَنْ تَجِدُوا فَرَساً أَوْ سِلَاحاً یُعْدَى بِهِ عَلَى أَهْلِ الْاِسْلَامِ. فَإِنَّهُ لا یَنْبَغِی لِلْمُسْلِمِ أَنْ یَدَعَ ذَلِکَ فِی أَیْدِی أَعْدَاءِ الْاِسْلامِ،
فَیَکُونَ شَوْکَةً عَلَیْهِ. وَ لا تَدَّخِرُوا أَنْفُسَکُمْ نَصِیحَةً، وَ لا الجُنْدَ حُسْنَ سِیرَةٍ، وَ لا الرَّعِیَّةَ مَعُونَةً، وَ لا دِیْنَ اللّهِ قُوَّةً،
وَ أَبْلُوا فِی سَبِیلِ اللّهِ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَیْکُمْ، فَإِنَّ اللّهَ، سُبْحَانَهُ، قَدِ اصْطَنَعَ عِنْدَنَا وَ عِنْدَکُمْ أَنْ نَشْکُرَهُ بِجُهْدِنَا، وَ أَنْ نَنْصُرَهُ بِمَا بَلَغَتْ قُوَّتُنَا، وَ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللّهِ الْعَلِیِّ الْعَظِیمِ.