أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّی کُنْتُ أَشْرَکْتُکَ فِی أَمَانَتِی، وَ جَعَلْتُکَ شِعَارِی وَ بِطَانَتِی، وَ لَمْ یَکُنْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِی أَوْثَقَ مِنْکَ فِی نَفْسِی لِمُوَاسَاتِی وَ مُوَازَرَتِی وَ أَدَاءِ الْاَمَانَةِ إِلَیَّ. فَلَمَّا رَأَیْتَ الزَّمَانَ عَلَى ابْنِ عَمِّکَ قَدْ کَلِبَ، وَالْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ، وَ أَمَانَةُ النَّاسِ قَدْ خَزِیَتْ، وَ هذِهِ الْاُمَّةَ قَدْ فَنَکَتْ وَ شَغَرَتْ، قَلَبْتَ لاِبْنِ عَمِّکَ ظَهْرَ الِمجَنِّ، فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِینَ، وَ خَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِینَ، وَ خُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِینَ، فَلا ابْنَ عَمِّکَ آسَیْتَ، وَ لا الْاَمَانَةَ أَدَّیْتَ. وَ کَأَنَّکَ لَمْ تَکُنِ اللّهَ تُرِیدُ بِجِهَادِکَ، وَ کَأَنَّکَ لَمْ تَکُنْ عَلَى بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّکَ، وَ کَأَنَّکَ إِنَّمَا کُنْتَ تَکِیدُ هذِهِ الْاُمَّةَ عَنْ دُنْیَاهُمْ، وَ تَنْوِی غِرَّتَهُمْ عَنْ فَیْئِهِمْ، فَلَمَّا أَمْکَنَتْکَ الشِّدَّةُ فِی خِیَانَةِ الْاُمَّةِ، أَسْرَعْتَ الْکَرَّةَ، وَ عَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ، وَ اخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَیْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمِ الْمَصُونَةِ لِاَرَامِلِهِمْ وَ أَیْتَامِهِمْ، اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الْاَزَلِّ دَامِیَةَ الْمِعْزَى الْکَسِیرَةَ، فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحِیبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ، غَیْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ، کَأَنَّکَ لا أَبَا لِغَیْرِکَ. حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِکَ تُرَاثَکَ مِنْ أَبِیکَ وَ أُمِّکَ، فَسُبْحَانَ اللّهِ! أَمَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ؟ أَوَ مَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ!
أَیُّهَا الْمَعْدُودُ کَانَ عِنْدَنَا مِنْ أُولِی الْاَلْبَابِ، کَیْفَ تُسِیغُ شَرَاباً وَ طَعَاماً. وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّکَ تَأْکُلُ حَرَاماً، وَ تَشْرَبُ حَرَاماً،
وَ تَبْتَاعُ الْاِمَاءَ، وَ تَنْکِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینَ، وَالْمُؤْمِنِینَ وَالْمُجَاهِدِینَ، الَّذِینَ أَفَاءَ اللّهُ عَلَیْهِمْ هذِهِ الْاَمْوَالَ، وَ أَحْرَزَ بِهِمْ هذِهِ الْبِلَادَ! فَاتَّقِ اللّهَ وَارْدُدْ إِلَى هؤُلاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ، فَإِنَّکَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْکَنَنِی اللّهُ مِنْکَ لاُعْذِرَنَّ إِلَى اللّهِ فِیکَ، وَ لَأَضْرِبَنَّکَ بِسَیْفِی الَّذِی مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ! وَ وَاللّهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَیْنَ فَعَلا مِثْلَ الَّذِی فَعَلْتَ، مَا کَانَتْ لَهُمَا عِنْدِی هَوَادَةٌ، وَ لا ظَفِرَا مِنِّی بِإِرَادَةٍ، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا، وَ أُزِیحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا، وَ أُقْسِمُ بِاللّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ مَا یَسُرُّنِی أَنَّ مَا أخَذْتَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَلاَلٌ لِی، أَتْرُکُهُ مِیرَاثاً لِمَنْ بَعْدِی، فَضَحِّ رُوَیْداً، فَکَأَنَّکَ قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى، وَ دُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَى، وَ عُرِضَتْ عَلَیْکَ أَعْمَالُکَ بِالْمَحَلِّ الَّذِی یُنَادِی الظَّالِمُ فِیهِ بِالْحَسْرَةِ، وَ یَتَمَنَّى الْمُضَیِّعُ فِیهِ الرَّجْعَةَ، «وَلاَتَ حِینَ مَنَاصٍ!».