رُوِیَ انَّ صَاحِباً لأَمِیرِالمُؤْمِنِینَ (علیه السلام) یُقالُ لَهُ هَمّامٌ کانَ رَجُلاً عابِداً، فَقَالَ لَهُ: یَا أَمِیرَالمُؤْمِنِینَ، صِفْ لِیَ المُتَّقِینَ حَتَّى کَأَنَّی أَنْظُرُ إِلَیْهِمْ. فَتَثَاقَلَ (علیه السلام) عَنْ جَوابِهِ، ثُمَّ قَالَ: یَا هَمَّامُ اتَّقِ اللّهَ وَ أَحْسِنْ: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا وَ الَّذِیْنَ هُمْ مُحْسِنُونَ). فَلَمْ یَقْنَعْ هَمَّامُ بِهذا القَوْلِ حَتَّى عَزَمَ عَلَیْهِ، فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثْنَى عَلَیْهِ، وَ صَلَّى عَلَى النَّبیِّ (صلی الله علیه و آله) ثُمَّ قَالَ (علیه السلام):
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللّهَ (سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى)خَلَقَ الْخَلْقَ حِینَ خَلَقَهُمْ غَنِیًّا عَنْ طَاعَتِهِمْ، آمِناً مِنْ مَعْصِیَتِهِمْ، لِاَنَّهُ لا تَضُرُّهُ مَعْصِیَةُ مَنْ عَصَاهُ، وَ لا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ. فَقَسَمَ بَیْنَهُمْ مَعَایِشَهُمْ، وَ وَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْیَا مَوَاضِعَهُمْ. فَالْمُتَّقُونَ فِیهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ. مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، وَ مَلْبَسُهُمُ الاِقْتِصَادُ، وَ مَشْیُهُمُ التَّوَاضُعُ. غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَیْهِمْ، وَ وَقَفَوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ. نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِی الْبَلَاءِ کَالَّتِی نُزِّلَتْ فِی الرَّخَاءِ. وَ لَوْ لا الْاَجَلُ الَّذِی کَتَبَ اللّهُ عَلَیْهِمْ،
لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِی أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَیْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَاب، وَ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ. عَظُمَ الْخَالِقُ فِی أَنْفُسِهِمْ، فَصَغُرَ مَادُونَهُ فِی أَعْیُنِهِمْ، فَهُمْ وَ الْجَنَّةُ کَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِیهَا مُنَعَّمُونَ، وَ هُمْ وَ النَّارُ کَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِیهَا مُعَذَّبُونَ. قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ. وَ أَجْسَادُهُمْ نَحِیفَةٌ، وَ حَاجَاتُهُمْ خَفِیفَةٌ، وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِیفَةٌ. صَبَرُوا أَیَّاماً قَصِیرَةً، أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِیلَةً.
تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ یَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ. أَرَادَتْهُمُ الدُّنْیَا فَلَمْ یُرِیدُوهَا. وَ أَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا.