أَیُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْیَا، الْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا، الْمَخْدُوعُ بِأَبَاطِیلِهَا! أَتَغْتَرُّ بِالدُّنْیَا ثُمَّ تَذُمُّهَا؟ أَنْتَ الْمُتَجَرِّمُ عَلَیْهَا، أَمْ هِیَ الْمُتَجَرِّمَةُ عَلَیْکَ؟ مَتَى اسْتَهْوَتْکَ، أَمْ مَتَى غَرَّتْکَ؟ أَبِمَصَارِعِ آبَائِکَ مِنَ الْبِلَى، أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِکَ تَحْتَ الثَّرَى؟! کَمْ عَلَّلْتَ بِکَفَّیْکَ؟ وَ کَمْ مَرَّضْتَ بِیَدَیْکَ؟ تَبْغِی لَهُمُ الشِّفَاءَ، وَ تَسْتَوْصِفُ لَهُمُ الْاَطِبَّاءَ، غَدَاةَ لا یُغْنِی عَنْهُمْ دَوَاؤُکَ، وَ لا یُجْدِی عَلَیْهِمْ بُکَاؤُکَ. لَمْ یَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُکَ، وَ لَمْ تُسْعَفْ فِیهِ بِطِلْبَتِکَ، وَ لَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِکَ! وَ قَدْ مَثَّلَتْ لَکَ بِهِ الدُّنْیَا نَفْسَکَ، وَ بِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَکَ. إِنَّ الدُّنْیَا دارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا، وَ دَارُ عَافِیَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَ دَارُ غِنىً لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا، وَ دَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنِ اتَّعَظَ بِهَا.مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللّهِ، وَ مُصَلَّى مَلاَئِکَةِ اللّهِ، وَ مَهْبِطُ وَحْیِ اللّهِ، وَ مَتْجَرُ أَوْلِیَاءِ اللّهِ. اکْتَسَبُوا فِیهَا الرَّحْمَةَ، وَ رَبِحُوا فِیهَا الْجَنَّةَ. فَمَنْ ذَا یَذُمُّهَا وَ قَدْ آذَنَتْ بِبَیْنِهَا، وَ نَادَتْ بِفِرَاقِهَا، وَ نَعَتْ نَفْسَهَا وَ أَهْلَهَا؛ فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلاَئِهَا الْبَلاَءَ، وَ شَوَّقَتْهُمْ بِسُرُورِهَا إِلَى السُّرُورِ؟! رَاحَتْ بِعَافِیَةٍ، وَ ابْتَکَرَتْ بِفَجِیعَةٍ، تَرْغِیباً وَ تَرْهِیباً، وَ تَخْوِیفاً وَ تَحْذِیراً، فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ النَّدَامَةِ، وَ حَمِدَهَا آخَرُونَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ، ذَکَّرَتْهُمُ الدُّنْیَا فَتَذَکَّرُوا، وَ حَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا، وَ وَعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا.