عِبَادَ اللّهِ، إِنَّكُمْ وَ مَا تَأْمُلُونَ مِنْ هذِهِ الدُّنيَا أَثْوِيَاءُ مُؤَجَّلُونَ، وَ مَدِينُونَ مُقْتَضَوْنَ: أَجَلٌ مَنْقُوصٌ،
وَ عَمَلٌ مَحْفُوظٌ. فَرُبَّ دَائِبٍ مُضَيَّعٌ، وَ رُبَّ كَادِحٍ خَاسِرٌ. وَ قَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَنٍ لا يَزْدَادُ الخَيْرُ فِيهِ إِلَّا إِدْبَاراً، وَ لا الشَّرُّ فِيهِ إِلَّا إِقْبَالاً، وَ لا الشَّيْطَانُ فِي هَلاَكِ النَّاسِ إِلَّا طَمَعاً. فَهذَا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ، وَ عَمَّتْ مَكِيدَتُهُ، وَ أَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ. اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ، فَهَلْ تُبْصِرُ إِلَّا فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً، أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً، أَوْ بَخِيلاً اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللّهِ وَفْراً، أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً! أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وَ صُلَحَاؤُكُمْ! وَ أَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَ سُمَحَاؤُكُمْ!
وَ أَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ، وَ الْزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ! أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً عَنْ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ، وَ الْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ. وَ هَلْ خُلِقْتُمْ إِلَّافِي حُثَالَةٍ لا تَلْتَقِي بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ، اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ، وَ ذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ! (فَإِنَّا لِلّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، (ظَهَرَ الْفَسَادُ)،فَلا مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ،
وَ لا زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ. أَفَبِهذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللّهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ، وَ تَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ؟
هَيْهَاتَ! لا يُخْدَعُ اللّهُ عَنْ جَنَّتِهِ، وَ لا تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ. لَعَنَ اللّهُ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ، وَ النَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ!